في ممرات
الجامعات العريقة بأوروبا، يتوقف الزمن وسط سكونٍ يحمل في طياته معاني عميقة. في
جامعة لايدن بهولندا، التي تأسست عام 1575، حُفظ العلم ورُعي لقرون طويلة. هناك،
تابع الأستاذ الدكتور نورهادي دراسته للماجستير، قاطعًا أيامه إلى جانب أساتذة
وطلاب جعلوا من البحث العلمي نبضًا لحياتهم الأكاديمية، لا مجرد التزام إداري.
وقال متذكّرًا: "حين نكون هناك، نشعر حقًا أن الجامعة تنمو كمركز لتطوير
المعرفة الإنسانية عالميًّا"، وذلك خلال مداخلته في برنامج تعزيز كفاءة
المدرّسين الجدد لعام 2025، الذي أُقيم حضورياً في فندق الجامعة بيوغياكرتا وعبر
الزوم يوم الاثنين (21/7/2025).
روى أنه في تلك
الجامعات، يدرك الأساتذة تمامًا رسالتهم بوصفهم زارعين للعلم. لقد أصبح البحث
العلمي جزءًا من كيانهم، يحدّثون به معارفهم ويقترحون مقررات دراسية جديدة مستندة
إلى أحدث الأبحاث. إن مرونة تطوير المقررات الدراسية تمثل نسيمًا ينعش الحياة
الأكاديمية، لتحيا الجامعة لا كمتحف، بل كحديقةٍ علمية دائمة التفتح. وأضاف
قائلاً: "ساعات الجامعة المنتجة يغمرها الهدوء. إن لم يكن الطلاب والأساتذة
داخل قاعات الدراسة، تجدهم في المختبرات أو المكتبات. بل إن العديد من الأساتذة
يمضون أوقاتهم في المختبرات حتى منتصف الليل"، مشددًا على أن هذا الصمت ليس
سوى تعبير عن نبض الحياة الفكرية.
وأمام 223
مشاركًا من المدرّسين الجدد، أكّد الأستاذ الدكتور نورهادي أن مهمة الجامعة لا
تقتصر على تخريج الطلبة، بل تمتد إلى معالجة قضايا المجتمع وتعزيز حضارة الأمة.
وفي ظل عالمٍ يزداد تنافسًا وتشابكًا، حيث تتصاعد التوترات ويتنامى الميل إلى
استغلال الهويات الأولية لتحقيق مكاسب آنية، تبرز هذه المهمة كضرورة ملحّة.
ومن موقعه كمدير
سابق للدراسات العليا، شدّد على ضرورة تجديد المناهج لتكون أكثر استجابةً لمتطلبات
العصر، مشيرًا إلى أن قلة توظيف الخريجين تعود في جزء منها إلى التحوّل الصناعي
نحو الأتمتة. وقال: "هذا يمثل تحديًا كبيرًا لنا جميعًا لإعداد خريجين قادرين
على التكيّف ويمتلكون كفاءات ذات صلة"، مضيفًا أن جامعة سونان كاليجاكا
الإسلامية الحكومية تواصل التزامها بتعزيز التعاون مع القطاعات الصناعية والحكومية
والمجتمع المدني، وتحديث مناهجها بناءً على الأبحاث واحتياجات العالم، مع إعداد
الطلبة ليكونوا متعلمين مدى الحياة.
ولهذا، شدّد
رئيس الجامعة على دورها كمركز للعلم والابتكار، ومنبر لإعداد قادة المستقبل، وقوة
أخلاقية تحمل روح النزاهة. وقال: "جوهَر الجامعة يكمن في ثلاث مهام: تعليم
التفكير المنطقي والنقدي، تدريب الطلاب على التعبير عن أفكارهم شفهيًا وكتابيًا،
وغرس الأخلاق النبيلة كالأدب والقدوة والنزاهة".
كما أشار إلى أن
الجامعات في إندونيسيا تواجه تحديات خاصة تتمثل في التنوع العرقي والثقافي
واللغوي، قائلاً: "إنه نعمة وتحدٍ في آنٍ معًا. علينا أن نُسقط العمل
الأكاديمي على الطابع الوطني وثقافتنا الغنية". فمثل هذا التنوع يتطلب من
المدرّسين تبني رؤى شاملة وروحًا تعاونية.
وفي عالم
الابتكار، لا بد من التعاون بين التخصصات. ولهذا أكّد الأستاذ الدكتور نورهادي أن
الابتكار لا يولد صدفة، بل نتيجة مسار طويل ومخطط له. فالتعلم القائم على حل
المشكلات، والتكامل بين التخصصات، هي طرقٌ لا غنى عنها لإنتاج معرفة متجددة
ومواكبة لروح العصر. لذا دعا الأساتذة إلى الانفتاح على مختلف فروع العلم، بما
يعزز التعاون ويثمر نتائج علمية نافعة للمجتمع.
وفي ختام كلمته، ذكّر الأستاذ الدكتور نورهادي بأن الجامعة ليست مجرد مبانٍ شامخة أو قاعاتٍ دراسية مكتظة بالحصص، بل هي حديقةٌ للعلم تنمو فيها الحضارة. هناك تُرعى بذور المعرفة في صمت البحث وصدق الفكر، حتى تصبح أشجارًا وارفة تظلل الأمة. فالجامعة الحية ليست تلك التي تضج بالإجراءات الإدارية، بل التي تنبض بالعلم المتجدد، وتنعش الروح، وترفع من شأن الإنسان.